فصل: كِتَاب الْوَقْفِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.ما يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الشَّرِكَةِ:

(وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ الشَّرِكَةِ (تَسْلِيمُ الْمَالِ) لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ (وَلَا) يُشْتَرَطُ (خَلْطُهُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخَلْطُ فِي الْمُشْتَرَى، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَرِي بِمَا فِي يَدِهِ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الشِّرَاءِ، وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَالِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ عِنْدَ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَتِمُّ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الرِّبْحَ بِهِ يَحْصُلُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَمَا اشْتَرَاهُ كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْهُمَا سِوَى طَعَامِ أَهْلِهِ وَكِسْوَتِهِمْ فَلَهَا) عَمَلًا بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ صَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فَكَانَ شِرَاءُ أَحَدِهِمَا كَشِرَائِهِمَا، وَأَرَادَ بِالْمُسْتَثْنَى مَا كَانَ مِنْ حَوَائِجِهِ كَالسُّكْنَى وَالرُّكُوبِ لِحَاجَتِهِ، وَكَذَا الْإِدَامِ وَالْجَارِيَةِ الَّتِي يَطَؤُهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَلَيْسَ الْكُلُّ عَلَى الشَّرِكَةِ لَكِنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ بِثَمَنِ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ أَيَّهُمَا شَاءَ الْمُشْتَرِي بِالْأَصَالَةِ وَلِصَاحِبِهِ بِالْكَفَالَةِ وَيَرْجِعُ الْآخَرُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمُشْتَرِي بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ) مِنْ الْعَقْدِ (كَبَيْعٍ) سَوَاءٌ كَانَ جَائِزًا أَوْ فَاسِدًا (وَشِرَاءٍ وَاسْتِئْجَارٍ لَزِمَ الْآخَرَ) تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ وَلِتَضَمُّنِهَا الْكَفَالَةَ قَيَّدَ بِمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ مَا لَا تَصِحُّ فِيهِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالنَّفَقَةِ وَالْجِنَايَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا لَزِمَ الْآخَرَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ التِّجَارَةِ.
(وَإِنْ لَزِمَ) أَحَدَهُمَا دَيْنٌ (بِكَفَالَةٍ بِأَمْرٍ لَزِمَ الْآخَرَ) يَعْنِي لَوْ كَفَلَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ أَجْنَبِيًّا بِمَالٍ بِإِذْنِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لَزِمَ صَاحِبَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ حَتَّى لَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَيْسَ بِأَهْلِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٍ عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا يَلْزَمُهُ بِالتِّجَارَةِ دُونَ التَّبَرُّعِ وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْإِقْرَاضُ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي حَقِّ شَرِيكِهِ فَصَارَتْ كَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَلَهُ أَنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَلَكِنَّهَا تَنْقَلِبُ مُفَاوَضَةً بَقَاءً لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا يُؤَدِّي عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ، وَكَلَامُنَا فِي الْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً.
(وَكَذَا) لَزِمَ الْآخَرَ (إنْ لَزِمَ) أَحَدَهُمَا دَيْنٌ (بِغَصْبٍ) يَعْنِي لَوْ غَصَبَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ شَيْئًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ يَلْزَمُ الْآخَرَ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ لَا يَلْزَمُ الْآخَرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَمَانِ التِّجَارَةِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْمَضْمُونَ يَكُونُ مَمْلُوكًا عِنْدَ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ فَيَلْتَحِقُ بِضَمَانِ التِّجَارَةِ (وَفِي الْكَفَالَةِ بِلَا أَمْرِ) الْمَكْفُولِ عَنْهُ (لَا يَلْزَمُهُ فِي الصَّحِيحِ) لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً.
وَفِي الْمِنَحِ إذَا اُدُّعِيَ عَلَى أَحَدِ الْمُفَاوِضَيْنِ فَاسْتُحْلِفَ فَأَرَادَ الْمُدَّعِي اسْتِحْلَافَ الْآخَرِ فَإِنَّ الْقَاضِي يَسْتَحْلِفُهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ يُمْضِي الْأَمْرَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ إقْرَارَ أَحَدِهِمَا كَإِقْرَارِهِمَا، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمَا وَهُوَ غَائِبٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْحَاضِرَ عَلَى عِلْمِهِ لِأَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِهِ فَإِنْ حَلَفَ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ أَلْبَتَّةَ فَلَوْ حَلَفَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ شَرِيكَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.
وَفِي الْمَجْمَعِ وَإِقْرَارُهُ أَيْ إقْرَارُ أَحَدِ الْمُفَاوِضَيْنِ لِلْأَبِ بِدَيْنٍ غَيْرِ لَازِمٍ لِشَرِيكِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ ادَّعَى مُفَاوَضَةً عَلَى آخَرَ فَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي ثُمَّ ادَّعَى ذُو الْيَدِ مِلْكِيَّتَهُ فِي عَيْنٍ بِبَيِّنَةٍ يَرُدُّهَا أَيْ أَبُو يُوسُفَ الْبَيِّنَةَ وَقَبِلَهَا أَيْ مُحَمَّدٌ بِبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ وَدَلِيلُ الطَّرَفَيْنِ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِهِ.
هَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ مِلْكَ الْعَيْنِ فِي دَعْوَى الْمُفَاوَضَةِ وَإِنْ ذَكَرَهَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ اتِّفَاقًا.
وَلَوْ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ عَقَارًا بِبَيِّنَةٍ فَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى تَجْدِيدِ بِنَاءٍ فِيهِ اطَّرَدَ الْخِلَافُ أَيْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُقْبَلُ.
(وَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ (مَا تَصِحُّ بِهِ) وَالْأَوْلَى فِيهِ (الشَّرِكَةُ) مِنْ النَّقْدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (أَوْ وَهَبَ لَهُ) أَيْ لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ تَصَدُّقًا أَوْ غَيْرَهُ (وَقَبَضَهُ) الْمَوْهُوبُ لَهُ (صَارَتْ) الْمُفَاوَضَةُ (عِنَانًا) لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيمَا يَصْلُحُ رَأْسُ الْمَالِ الْمُشْتَرَكَةِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً شَرْطٌ بِالْمُفَاوَضَةِ وَقَدْ فَاتَتْ بَقَاءٌ لِعَدَمِ مُشَارَكَةِ الْآخَرِ لَهُ فِي الْإِرْثِ وَالْهِبَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُشَارِكُهُ فِيمَا يَحْصُلُ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ أَوْ مَا يُشْبِهُهَا وَلَيْسَتْ الْمُسَاوَاةُ شَرْطًا فِي الْعِنَانِ فَانْقَلَبَتْ عِنَانًا.
(وَكَذَا) تَنْقَلِبُ عِنَانًا (إنْ فُقِدَ فِيهَا) أَيْ الْمُفَاوَضَةِ (شَرْطٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعِنَانِ) لِمَا قُلْنَا مِنْ زَوَالِ الْمُسَاوَاةِ (وَإِنْ وَرِثَ) أَحَدُهُمَا (عَرْضًا أَوْ عَقَارًا بَقِيَتْ مُفَاوَضَةً) لِأَنَّهُمَا مِمَّا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ فَلَا تُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ وَلَوْ قَالَ مَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ مَكَانَ عَرْضًا أَوْ عَقَارًا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا دِينَارًا وَهُوَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَقْبِضَ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ فَإِذَا قَبَضَ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ كَمَا فِي الْمِنَحِ، وَكَذَا لَوْ عَمَّمَ الْإِرْثَ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ حُكْمَ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا كَذَلِكَ تَدَبَّرْ.
(وَلَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةٌ وَلَا عِنَانٌ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ) بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا (أَوْ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ) أَيْ الرَّائِجَةِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّهَا تَرُوجُ كَالْأَثْمَانِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ الرَّوَاجَ فِي الْفُلُوسِ عَارِضٌ ثَبَتَ بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ، وَذَا يَتَبَدَّلُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَيَصِيرُ عَرْضًا فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ الْمَالِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ لَكِنَّ الْأَقْيَسَ مَعَ الْإِمَامِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا عَلَى الْفُلُوسِ تَجُوزُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ لِأَنَّهَا صَارَتْ ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ كَمَا فِي الْكَافِي (أَوْ بِالتِّبْرِ) أَيْ جَوْهَرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَا وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَعْدِنِيَّاتِ كَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَأَكْثَرُ اخْتِصَاصِهِ بِالذَّهَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ فِي الذَّهَبِ حَقِيقَةً وَفِي غَيْرِهَا مَجَازًا (وَالنُّقْرَةِ) أَيْ الْقِطْعَةِ الْمُذَابَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْمَضْرُوبَةِ فَهِيَ مُسْتَدْرَكَةٌ بِالتِّبْرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (إنْ تَعَامَلَ النَّاسُ بِهِمَا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ فِي شَرِكَةِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ التِّبْرَ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ فَلَمْ يَصْلُحْ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَجَعَلَ فِي صَرْفِ الْأَصْلِ كَالْأَثْمَانِ حَتَّى لَا يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِهِ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا ثَمَنَيْنِ، وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالضَّرْبِ الْمَخْصُوصِ لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يُصْرَفُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ ظَاهِرًا إلَّا أَنْ يَجْرِيَ التَّعَامُلُ بِاسْتِعْمَالِهَا ثَمَنًا فَيَنْزِلُ التَّعَامُلُ بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبِ فَيَكُونُ ثَمَنًا وَيَصْلُحُ رَأْسُ الْمَالِ.
(وَلَا تَصِحَّانِ) أَيْ الْمُفَاوَضَةُ وَالْعِنَانُ (بِالْعُرُوضِ) أَيْ بِكَوْنِ مَالِهِمَا عُرُوضًا لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيْعِهَا فَإِذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا عُرُوضَهُ بِأَلْفٍ وَبَاعَ الْآخَرُ عُرُوضَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَمُقْتَضَى الْعَقْدِ الشَّرِكَةُ فِي الْكُلِّ فَمَا يَأْخُذُهُ صَاحِبُ الْأَلْفِ زِيَادَةً عَلَى أَلْفٍ بِرِبْحِ مَا لَا يَضْمَنُ وَقَدْ نَهَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ (إلَّا أَنْ يَبِيعَ) أَحَدُهُمَا (نِصْفَ عَرْضِهِ) أَيْ نِصْفَ مَالِهِ مِنْ الْعُرُوضِ (بِنِصْفِ عَرْضِ) الشَّرِيكِ (الْآخَرِ) مِنْهُ لِيَصِيرَ الْعَرْضُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا أَوَّلًا شَرِكَةَ مِلْكٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ (ثُمَّ يَعْقِدُ الشَّرِكَةَ) بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَا مُفَاوَضَةً وَإِنْ شَاءَا عِنَانًا فَيَصِيرُ الْعَرْضُ رَأْسَ مَالِ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ أَوْ الْعِنَانِ وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِمَنْ أَرَادَ الشَّرِكَةَ مُفَاوَضَةً وَعِنَانًا بِالْعُرُوضِ، هَذَا إذَا تُسَاوَيَا قِيمَةً فَلَوْ تَفَاوَتَا بِأَنْ يَكُونَ قِيمَةُ مَتَاعِ أَحَدِهِمَا أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْآخَرِ مِائَةً بَاعَ صَاحِبُ الْأَقَلِّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ عَرْضِهِ بِخُمُسِ عَرْضِ الْآخَرِ فَيَصِيرُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ.
(وَلَا) تَصِحُّ (بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ) احْتِرَازًا عَنْ الْمُتَفَاوِتِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا (قَبْلَ الْخَلْطِ) اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُرُوضِ.
(وَإِنْ خَلَطَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (جِنْسًا وَاحِدًا) ثُمَّ اشْتَرَكَا فِيهِ (فَشَرِكَةُ عَقْدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْمَعْدُودَ ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الشِّرَاءُ بِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَعَرْضٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْحَالَيْنِ أَيْ الْخَلْطِ وَعَدَمِهِ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ ثَمَنًا بِحَالٍ.
(وَ) شَرِكَةُ (مِلْكٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرَّاوِيَةِ لِتَعَيُّنِهِ بَعْدَ الْخَلْطِ أَيْضًا وَمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْمَالَيْنِ وَاشْتَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي الرِّبْحِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَكُونُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ.
(وَإِنْ خَلَطَا جِنْسَيْنِ) كَخَلْطِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ مَثَلًا (لَا تَنْعَقِدُ) الشَّرِكَةُ (اتِّفَاقًا) وَإِنْ كَانَتْ شَرِكَةُ الْمِلْكِ ثَابِتَةً، وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَخْلُوطَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَمِنْ جِنْسَيْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَتُمْكِنُ الْجَهَالَةُ كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ فَحُكْمُ الْخَلْطِ هُنَا كَحُكْمِ الْخَلْطِ فِي الْوَدِيعَةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

.شَرِكَةِ العِنَانٍ:

(وَشَرِكَةِ عِنَانٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى شَرِكَةِ مُفَاوَضَةٍ بِالْكَسْرِ إمَّا اسْمٌ مِنْ الْعَنِّ مَصْدَرُ عَنَّ يَعُنُّ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ أَيْ: عَرَضَ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ كَأَنَّهُ عَنَّ لَهُمَا شَيْءٌ فَاشْتَرَكَا فِيهِ، أَوْ مِنْ الْعَنِّ بِمَعْنَى الْحَبْسِ فَكَأَنَّهُ حَبَسَ بَعْضَ مَالِهِ عَنْ الشَّرِكَةِ أَوْ حَبَسَ شَرِيكَهُ عَنْ بَعْضِ التِّجَارَةِ، أَوْ مِنْ عِنَانِ الدَّابَّةِ لِأَنَّ الْفَارِسَ يُمْسِكُ الْعِنَانَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَيَتَصَرَّفُ بِالْأُخْرَى كَيْفَ شَاءَ فَكَذَا شَرِيكُ الْعِنَانِ يُشَارِكُ بِبَعْضِ مَالِهِ وَيَتَصَرَّفُ فِي الْبَقِيَّةِ كَيْفَ شَاءَ وَإِمَّا مَصْدَرُ عَانَهُ أَيْ عَارَضَهُ فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُعَارِضُ الْآخَرَ (وَهِيَ) أَيْ شَرِكَةُ الْعِنَانِ (أَنْ يَشْتَرِكَا مُتَسَاوِيَيْنِ) فِيمَا ذُكِرَ أَيْ فِي الْمُفَاوَضَةِ (أَوْ غَيْرِ مُتَسَاوِيَيْنِ) وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَكَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي الْمُفَاوَضَةِ تَكُونُ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ لَا الْعِنَانِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنْ يَشْتَرِكَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مَعَ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ أَوْ أَنْ يَشْتَرِكَا مُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ وَجْهٍ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ تَدَبَّرْ (وَتَتَضَمَّنُ) أَيْ شَرِكَةُ الْعِنَانِ (الْوَكَالَةَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشَّرِكَةِ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ إلَّا بِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْوِلَايَةِ (دُونَ الْكَفَالَةِ) لِأَنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْمُفَاوَضَةِ لِضَرُورَةِ الْمُسَاوَاةِ وَالْعِنَانُ لَا يَقْتَضِيهَا.
(وَتَصِحُّ) أَيْ شَرِكَةُ الْعِنَانِ (فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَاتِ) كَالْبُرِّ وَنَحْوِهِ (أَوْ فِي عُمُومِهَا) أَيْ فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ (وَبِبَعْضِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَبِكُلِّهِ) أَيْ وَبِكُلِّ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّسَاوِي.
(وَ) تَصِحُّ (مَعَ التَّفَاضُلِ فِي رَأْسِ الْمَالِ) بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ أَلْفَانِ مَثَلًا (وَالرِّبْحِ) بِأَنْ يَكُونَ ثُلُثَا الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا وَثُلُثَهُ لِلْآخَرِ.
(وَ) تَصِحُّ (مَعَ التَّسَاوِي فِيهِمَا) أَيْ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ (وَفِي أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ) أَيْ التَّسَاوِي فِي رَأْسِ الْمَالِ وَالتَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ وَعَكْسِهِ (عِنْدَ عَمَلِهِمَا وَ) تَصِحُّ (مَعَ زِيَادَةِ الرِّبْحِ لِلْعَامِلِ عِنْدَ عَمَلِ أَحَدِهِمَا) وَقَالَ زَفَرُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَصِحُّ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَالِ وَالتَّفَاضُلُ فِي الرِّبْحِ وَعَكْسُهُ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ فَيَكُونُ بِقَدْرِ الشَّرِكَةِ فِي الْأَصْلِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ» مُطْلَقًا بِلَا فَصْلٍ.
وَفِي الْبَحْرِ ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَشْتَرِطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا وَالرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَإِنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَكْثَرِهِمَا رِبْحًا جَازَ وَإِنْ شَرَطَاهُ عَلَى أَقَلِّهِمَا رِبْحًا خَاصَّةً لَا يَجُوزُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَعَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا.
وَفِي التَّبْيِينِ وَإِنْ شَرَطَاهُ لِلْقَاعِدِ أَوْ لِأَقَلِّهِمَا عَمَلًا فَلَا يَجُوزُ.
(وَ) تَصِحُّ (مَعَ كَوْنِ مَالِ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ) صِحَاحًا أَوْ مَكْسُورَةً بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ أَيْ رَدِيئَةَ الْفِضَّةِ (وَ) مَالِ (الْآخَرِ دَنَانِيرَ) سَوَاءٌ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقِيمَةِ أَوْ لَا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ لَا تَصِحُّ مَعَ اخْتِلَافِ رَأْسِ الْمَالِ وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ الشَّيْخَيْنِ وَفِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ الْخَلْطُ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ (أَيْضًا) أَيْ كَالْمُفَاوَضَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَلَفْظُ أَيْضًا قَيْدٌ لَهُمَا لَا لِلْخَلْطِ فَقَطْ (وَالْوَضِيعَةُ) الْحَطِيطَةُ أَيْ بِأَنْ هَلَكَ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ (عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (شَرَطَا غَيْرَ ذَلِكَ) لِمَا رَوَيْنَا آنِفًا (وَمَا شَرَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طُولِبَ بِثَمَنِهِ) أَيْ ثَمَنِ الْمُشْتَرَى (هُوَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (فَقَطْ) فَلَا يُطَالَبُ بِمُشْتَرَى الْآخَرِ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ دُونَ الْكَفَالَةِ وَالْمُبَاشِرُ هُوَ الْأَصِيلُ فِي الْحُقُوقِ فَتَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ إلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ (وَرَجَعَ) الْآخَرُ (عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ (إنْ أَدَّاهُ مَالَهُ) وَلِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي حِصَّتِهِ وَإِنْ اخْتِلَافًا بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدًا لِلشَّرِكَةِ وَهَلَكَ وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقَّ الرُّجُوعِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ إنْ ادَّعَاهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ لَمْ يَرْجِعْ.
(وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بِهَلَاكِ الْمَالَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ) لِأَنَّهَا عُقِدَتْ لِاسْتِنْمَاءِ الْمَالِ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ هَلَاكِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْهَلَاكُ (عَلَى مَالِكِهِ) أَيْ مَالِكِ الْمَالِ (قَبْلَ الْخَلْطِ) حَيْثُ (هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ الْآخَرِ) لِأَنَّ رَأْسَ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَبْلَ الْخَلْطِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا ضَمَانَ إنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ وَإِنْ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَهُوَ أَمِينٌ لَا يَضْمَنُ (وَعَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ إنْ هَلَكَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْخَلْطِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ، هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ وَهُوَ عَلَى مَالِكِهِ قَبْلَ الْخَلْطِ وَلَوْ اكْتَفَى بِالْأَوَّلِ لَكَفَى (فَإِنْ هَلَكَ) مَالُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا (بَعْدَمَا شَرَى الْآخَرُ بِمَالِهِ) شَيْئًا (فَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِهَلَاكِ مَالِ الْآخَرِ (وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى شَرِيكِهِ بِثَمَنِ حِصَّتِهِ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِالْوَكَالَةِ وَقَدْ قَضَى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ.
(وَإِنْ هَلَكَ) مَالُ أَحَدِهِمَا (قَبْلَ شِرَاءِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ وَكَّلَهُ حِينَ الشَّرِكَةِ صَرِيحًا فَالْمُشْتَرِي لَهُمَا شَرِكَةَ مِلْكٍ وَرَجَعَ بِحِصَّتِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَشْتَرِ أَحَدُهُمَا شَيْئًا وَهَلَكَ مَالُهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ بِمَالِهِ إنْ صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ فَالْمُشْتَرَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إنْ بَطَلَتْ فَالْوَكَالَةُ الْمُصَرَّحُ بِهَا قَائِمَةٌ فَكَانَ مُشْتَرَكًا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ وَيَكُونُ شَرِكَةَ مِلْكٍ وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَرَّحْ بِالْوَكَالَةِ حِينَ الشَّرِكَةِ بَلْ ذَكَرَا مُجَرَّدَ الشَّرِكَةِ (فَلِلْمُشْتَرِي) أَيْ يَكُونُ الْمُشْتَرَى الَّذِي اشْتَرَاهُ (فَقَطْ) لِأَنَّ فِي الْوُقُوعِ عَلَى شَرِكَةٍ حُكْمُ الْوَكَالَةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُهَا الشَّرِكَةُ فَإِذَا بَطَلَتْ يَبْطُلُ مَا فِي ضِمْنِهَا (وَلِكُلٍّ مِنْ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ أَنْ يُبَضِّعَ) أَيْ يَجْعَلَ الْمَالَ بِضَاعَةً الْمُرَادُ هُنَا دَفْعُ الْمَالِ لِلْآخَرِ لِيَعْمَلَ فِيهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ (وَيُضَارِبُ) أَيْ يَدْفَعُ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَأَمَّا لَوْ أَخَذَهُ مُضَارَبَةً فَإِنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً، وَكَذَا إنْ أَخَذَ مُضَارَبَةً بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيمَا هُوَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا، وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً لِيَتَصَرَّفَ فِيمَا كَانَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا أَوْ مُطْلَقًا حَالَ غَيْبَةِ شَرِيكِهِ يَكُونُ الرِّبْحُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا.
وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الشَّرِيكَ لَا يُضَارِبُ لِأَنَّهُ نَوْعُ شَرِكَةٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ بِأَجْرٍ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ بِدُونِ ضَمَانٍ فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهَا لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُسْتَتْبَعُ مِثْلُهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُشَارِكَ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ (وَيَسْتَأْجِرُ وَيُوَكِّلُ) مَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَمِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَيُودِعُ) وَيَبِيعُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ وَيُسَافِرُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ، وَمُؤْنَةُ السَّفَرِ وَالْكِرَاءِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُفَاوِضَيْنِ مَا ذَكَرَهُ وَأَنْ يُعِيرَ اسْتِحْسَانًا وَيُؤَجِّرَ وَيَسْتَقْرِضَ وَيُكَاتِبَ وَيَأْذَنَ عَبْدُ الشَّرِكَةِ وَيُزَوِّجَ الْأَمَةَ وَيُخَاصِمَ وَيَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ وَلَا يَجُوزُ لِشَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ وَلَا الْإِعْتَاقُ وَلَوْ عَلَى مَالٍ وَالتَّصَدُّقُ وَالْهِبَةُ وَالْقَرْضُ وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ إتْلَافًا لِلْمَالِ أَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لِلْمَالِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَصَحَّ بَيْعُ شَرِيكٍ مُفَاوِضٍ مِمَّنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ كَأَبِيهِ وَابْنِهِ لِإِقْرَارِهِ بِدَيْنٍ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اشْتَرَى أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا وَأَشْهَدَ عِنْدَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً وَلَوْ أَقَالَ أَحَدُهُمَا فِيمَا بَاعَهُ الْآخَرَ جَازَتْ الْإِقَالَةُ (وَيَدُهُ) أَيْ يَدِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (فِي الْمَالِ) أَيْ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ (يَدُ أَمَانَةٍ) لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهُ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الدَّفْعِ لِشَرِيكِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ شَرِيكِهِ وَيَضْمَنُ بِالتَّعَدِّي كَمَا يَضْمَنُ الشَّرِيكُ بِمَوْتِهِ مُجْهَلًا نَصِيبَ صَاحِبِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ إذَا مَاتَ مُجْهَلًا غَلَطٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ.

.شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ:

(وَشَرِكَةِ الصَّنَائِعِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَشَرِكَةِ الْعِنَانِ وَهِيَ جَمْعُ الصَّنِيعَةِ كَالصَّحَائِفِ وَالصَّحِيفَةِ أَوْ جَمْعُ صِنَاعَةٍ كَرَسَائِلَ وَرِسَالَةٍ فَإِنَّ الصِّنَاعَةَ كَالصَّنِيعَةِ حِرْفَةُ الصَّانِعِ وَعَمَلُهُ وَلِذَا يُقَالُ شَرِكَةُ الْمُحْتَرِفَةِ.
(وَ) شَرِكَةُ (التَّقَبُّلِ) مِنْ قَبُولِ أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ وَإِلْقَائِهِ عَلَى صَاحِبِهِ (وَهِيَ) أَيْ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ وَالتَّقَبُّلِ (أَنْ يَشْتَرِك خَيَّاطَانِ أَوْ صَبَّاغٌ وَخَيَّاطٌ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ) أَيْ مَحَلَّهَا فَإِنَّ الْعَمَلَ عَرْضٌ لَا يَقْبَلُ الْقَبُولَ (وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ هَذِهِ الشَّرِكَةُ وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ زُفَرَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ تَبْتَنِي عَلَى الشَّرِكَةِ فِي رَأْسِ الْمَالِ عَلَى أَصْلِهِمَا وَلَا مَالَ لَهُمَا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ التَّمْيِيزُ بِدُونِ الْأَصْلِ وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْصِيلُ الْمَالِ بِالتَّوْكِيلِ وَهَذَا مِمَّا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ فَيَجُوزُ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ اتِّحَادَ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَزُفَرَ فِيهِمَا لِعَجْزِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الصَّنْعَةِ الَّتِي يَتَقَبَّلُهَا شَرِيكُهُ وَلَنَا أَنَّ صِحَّةَ هَذِهِ الشَّرِكَةِ بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ وَالتَّوْكِيلِ بِتَقَبُّلِ الْعَمَلِ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ لَيْسَ بِلَازِمٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ بِأُجْرَةٍ.
(وَلَوْ شَرَطَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحَ أَثْلَاثًا جَازَ) لِأَنَّ الْأَجْرَ بَدَلُ عَمَلَيْهِمَا وَأَنَّهُمَا يَتَفَاوَتَانِ فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ عَمَلًا وَأَحْسَنَ صِنَاعَةً فَيَجُوزُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ الْعَمَلِ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوُجُوهَ هُنَا لَيْسَ بِرِبْحٍ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَقْتَضِي الْمُجَانَسَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا مُجَانَسَةَ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ الْعَمَلُ وَالرِّبْحُ مَالٌ فَكَانَ بَدَلَ الْعَمَلِ كَمَا بَيَّنَّا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ عِنَانٌ وَمُفَاوَضَةٌ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ الشَّرَائِطِ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْعِنَانِ فَإِنَّهُ الْمُتَعَارَفُ كَمَا فِي الْكَافِي.
(وَكُلُّ عَمَلٍ تَقَبَّلَهُ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ لِأَنَّهُ تَقَبَّلَهُ لِنَفْسِهِ بِالْأَصَالَةِ وَلِشَرِيكِهِ بِالْوَكَالَةِ (فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الطَّلَبُ بِالْعَمَلِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا طَلَبُ الْأَجْرِ وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ) أَيْ بِدَفْعِ الْأَجْرِ (إلَى أَحَدِهِمَا) وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمُفَاوَضَةِ وَفِي غَيْرِهَا اسْتِحْسَانٌ لَا قِيَاسٌ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ وَالشَّرِكَةُ هُنَا مُطْلَقَةٌ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِلضَّمَانِ أَلَّا يَرَى أَنَّ مَا يَتَقَبَّلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ عَلَى الْآخَرِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِسَبَبِ نَفَاذِ تَقَبُّلِهِ عَلَيْهِ فَجَرَى مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ فِي ضَمَانِ الْعَمَلِ وَاقْتِضَاءِ الْبَدَلِ.
(وَ) يَكُونُ (الْكَسْبُ) أَيْ الْأَجْرُ (بَيْنَهُمَا وَإِنْ عَمَلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ) أَمَّا الَّذِي عَمِلَ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ فَلِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِالتَّقَبُّلِ وَكَانَ ضَامِنًا لَهُ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ بِالضَّمَانِ وَلُزُومِ الْعَمَلِ.

.شَرِكَةِ الْوُجُوهِ:

(وَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ) أَيْ شَرِكَةِ ابْتِذَالِ الشُّرَكَاءِ إذْ لَا مَالَ لَهُمْ وَلَا عِلْمَ وَلِذَا يُقَالُ لَهَا شَرِكَةُ الْمَفَالِيسِ وَفِيهِ مَجَازٌ مِنْ وُجُوهٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَوْ لِأَنَّ بِنَاءَهَا عَلَى وَجَاهَتِهِمَا بَيْنَ النَّاسِ وَشُهْرَتِهِمَا بِحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ إذَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الشِّرَاءِ نَسِيئَةً فَسُمِّيَتْ بِهَا (وَهِيَ) أَيْ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ (أَنْ يَشْتَرِكَا وَلَا مَالَ لَهُمَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا) أَيْ لِيَشْتَرِيَا بِلَا نَقْدِ الثَّمَنِ بِسَبَبِ وَجَاهَتِهِمَا وَأَمَانَتِهِمَا عِنْدَ النَّاسِ، وَصِيغَةُ الْجَمْعِ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (وَيَبِيعَا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَايَعَانِ فَمَا حَصَلَ بِالْبَيْعِ يَدْفَعَانِ مِنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا بِالشِّرَاءِ وَمَا فَضُلَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ لَا تَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ (فَإِنْ شَرَطَاهَا مُفَاوَضَةً) أَيْ نَصَّا عَلَى الْمُفَاوَضَةِ أَوْ ذَكَرَا جَمِيعَ مَا تَقْتَضِيهِ الْمُفَاوَضَةُ وَاجْتَمَعَتْ فِيهَا شَرَائِطُهَا (صَحَّتْ) فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْمُفَاوَضَةِ فَتَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ وَالْكَفَالَةَ (وَمُطْلَقُهَا) أَيْ مُطْلَقُ هَذِهِ الشَّرِكَةِ (عِنَانٌ) لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ إلَّا أَنَّ تَخْصِيصَ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ بِذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ وَالْأَحْسَنُ بَيَانُ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى وَجْهٍ يَتَنَاوَلُ شَرِكَةَ الصَّنَائِعِ أَيْضًا إذْ هُوَ يَجْرِي فِيهِمَا كَمَا مَرَّ تَدَبَّرْ (وَتَتَضَمَّنُ) هَذِهِ الشَّرِكَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (الْوَكَالَةَ) فَقَطْ (فِيمَا يَشْتَرِيَانِهِ) إذْ لَا يَتَمَكَّنُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْوَكَالَةِ.
(فَإِنْ شَرَطَا) فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ (مُنَاصَفَةَ الْمُشْتَرَى) بَيْنَهُمَا بِالْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ (أَوْ مُثَالَثَتَهُ) أَيْ الْمُشْتَرَى فِي الْعِنَانِ (فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ) مُشْتَرَكٌ مُنَاصَفَةً أَوْ مُثَالَثَةً (وَشَرْطُ الْفَضْلِ) فِي الرِّبْحِ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ (بَاطِلٌ) إذْ الضَّمَانُ هُنَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى فَالرِّبْحُ الزَّائِدُ عَلَى الْمِلْكِ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ.

.فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ:

(وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِيمَا لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ) بِهِ (كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاسْتِقَاءِ) وَكَذَا فِي أَخْذِ كُلِّ مُبَاحٍ كَاجْتِنَاءِ الثِّمَارِ مِنْ الْجِبَالِ وَالْبَرَارِي وَأَخْذِ الصَّيْدِ وَالْمِلْحِ وَالسُّنْبُلَةِ وَالْكُحْلِ وَجَوْهَرِ الْمَعَادِنِ وَالْأَحْجَارِ وَالْأَتْرِبَةِ وَالْجِصِّ وَغَيْرِهَا مِنْ مَوْضِعٍ يُبَاحُ أَخْذُهُ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْوَكَالَةَ وَالتَّوْكِيلُ إثْبَاتُ التَّصَرُّفِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْمُبَاحَاتِ (وَمَا جَمَعَهُ كُلُّ وَاحِدٍ) بِلَا عَمَلٍ مِنْ الْآخَرِ وَلَا إعَانَتِهِ (فَلَهُ) لِأَنَّهُ أَثَرُ عَمَلِهِ.
(وَإِنْ أَعَانَهُ الْآخَرُ) بِأَنْ قَلَعَهُ وَجَمَعَهُ أَحَدُهُمَا وَحَمَلَهُ الْآخَرُ مَثَلًا (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُعِينِ (أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ) أَجْرُ الْمِثْلِ (عَلَى نِصْفِ ثَمَنِ الْمَأْخُوذِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِنِصْفِ الْمَأْخُوذِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيمِهِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ عِنْدَهُ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَجْهُولٌ وَالرِّضَا بِالْمَجْهُولِ لَغْوٌ (وَمَا أَخَذَاهُ مَعًا فَلَهُمَا نِصْفَيْنِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْأَخْذِ، وَإِنْ أَخَذَاهُ مُنْفَرِدَيْنِ وَخَلَطَاهَا وَبَاعَاهَا قُسِمَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَدْرُ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا صُدِّقَ كُلٌّ عَلَى النِّصْفِ مَعَ الْيَمِينِ وَأُقِيمَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الزِّيَادَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ فَاسْتَقَى أَحَدُهُمَا فَالْكَسْبُ) كُلُّهُ (لَهُ) أَيْ الَّذِي اسْتَقَى (وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِ مَالِهِ) أَيْ أَجْرِ مِثْلِ الْبَغْلِ إنْ كَانَ الْمُسْتَقِي صَاحِبَ الرَّاوِيَةِ وَأَجْرِ مِثْلِ الرَّاوِيَةِ إنْ كَانَ صَاحِبَ الْبَغْلِ.
وَفِي الْبَحْرِ دَفَعَ دَابَّتَهُ إلَى رَجُلٍ يُؤَاجِرُهَا عَلَى أَنَّ الْأَجْرَ بَيْنَهُمَا فَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ وَالْأَجْرُ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَكَذَا فِي السَّفِينَةِ وَالْبَيْتِ.
(وَالرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَيَبْطُلُ شَرْطُ الْفَضْلِ) حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَالُ نِصْفَيْنِ وَشُرِطَ الرِّبْحُ أَثَلَاثًا فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَيَكُونُ الرِّبْحُ نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ لِلْمَالِ كَالرُّبُعِ وَلَمْ يَعْدِلْ عَنْهُ إلَّا عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَلَمْ تَصِحَّ.

.ما تَبْطُلُ به الشَّرِكَةُ:

(وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لِتَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ وَهِيَ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا عَلِمَ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْعِلْمُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا الشَّرِكَةَ وَمَالُ الشَّرِكَةِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ عَزْلٌ قَصْدِيٌّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَبِلَحَاقِهِ) بِدَارِ الْحَرْبِ (مُرْتَدًّا إنْ حَكَمَ بِهِ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَلَوْ عَادَ مُسْلِمًا لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بِإِنْكَارِهَا وَبِفَسْخِ أَحَدِهِمَا وَبِجُنُونِهِ مُطْبَقًا.
(وَلَا يُزَكِّي أَحَدُهُمَا مَالَ الْآخَرِ) بَعْدَ الْحَوْلِ (بِلَا إذْنِهِ) لِأَنَّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ فَلَا يَنُوبُ عَنْ صَاحِبِهِ فِي أَدَائِهَا فَلَوْ أَدَّاهَا لَمْ يَجُزْ (فَإِنْ أَذِنَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (لِصَاحِبِهِ) بِأَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ عَنْهُ (فَأَدَّيَا) بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ (مَعًا) أَيْ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَلَا يُعْلَمُ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ (ضَمِنَ كُلٌّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَدَائِهِ (حِصَّةَ صَاحِبِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ كَمَا فِي الْكَافِي.
(وَإِنْ أَدَّيَا مُتَعَاقِبًا ضَمِنَ الثَّانِي) سَوَاءٌ (عَلِمَ بِأَدَاءِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا لَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ) فَإِنْ عَلِمَ بِأَدَاءِ صَاحِبِهِ ضَمِنَ.
وَفِي الزِّيَادَاتِ لَا يَضْمَنُ عَلِمَ بِأَدَاءِ شَرِيكِهِ أَوْ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْكَافِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْوَكِيلُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ أَوْ الْكَفَّارَةِ إذَا أَدَّى الْآمِرُ بِنَفْسِهِ مَعَ أَدَاءِ الْمَأْمُورِ أَوْ قَبْلِهِ، قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ مَصْرُوفٌ إلَى مَسْأَلَتَيْنِ مَعًا وَإِلَّا تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى خَالِيَةً عَنْ الْخِلَافِ وَلَكِنْ لَا يَخْلُو عَنْ التَّعَسُّفِ لِأَنَّ سَوْقَ كَلَامِهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي أَدَائِهِمَا مُتَعَاقِبًا فَقَطْ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ وَاقِعٌ فِيهِمَا كَمَا قَرَّرْنَاهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ الْخِلَافَ فِيهِمَا تَدَبَّرْ.
(وَإِنْ أَذِنَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَمَةً لِيَطَأَهَا فَفَعَلَ فَهِيَ لَهُ خَاصَّةً بِلَا شَيْءٍ) أَيْ لَا يَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَيُؤْخَذُ كُلٌّ بِثَمَنِهَا) أَيْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَيَّهمَا شَاءَ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ (وَقَالَا لَا يَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنًا عَلَيْهِ خَاصَّةً مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِنَصِيبِهِ وَلَهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ دَخَلَتْ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الْبَتَاتِ جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ فَأَشْبَهَ حَالَ عَدَمِ الْإِذْنِ غَيْرَ أَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ هِبَةَ نَصِيبِهِ مِنْهُ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ وَلَا وَجْهَ بِإِثْبَاتِهِ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ فَأَثْبَتَاهُ بِالْهِبَةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الْإِذْنِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقَالَ لَهُ آخَرُ أَشْرِكْنِي فِيهِ فَقَالَ فَعَلْت إنْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ بَعْدَهُ صَحَّ وَلَزِمَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالثَّمَنِ خُيِّرَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِ وَلَوْ قَالَ أَشْرِكْنِي فِيهِ فَقَالَ نَعَمْ ثُمَّ لَقِيَهُ آخَرُ وَقَالَ مِثْلَهُ وَأُجِيبَ بِنَعَمْ فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ عَالِمًا بِمُشَارَكَةِ الْأَوَّلِ فَلَهُ رُبُعُهُ وَإِنْ يَعْلَمْ فَلَهُ نِصْفُهُ وَخَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ مِلْكِ الْأَوَّلِ.
وَفِي الْبَاقَانِيِّ مُعَلِّمَانِ اشْتَرَكَا لِحِفْظِ الصِّبْيَانِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَعَلَى مَا أَجَزْنَا فِي الْجَوَابِ مِنْ الْفَتْوَى أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ جَائِزٌ تَجُوزُ هَذِهِ الشَّرِكَةُ.
وَفِي الْمِنَحِ وَلَا شَرِكَةَ لِلْقِرَاءَةِ بِالزَّمْزَمَةِ وَلَا التَّغَاذِي لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ عَلَيْهِمْ وَلَا تَجُوزُ شَرِكَةُ الدَّلَّالِينَ فِي عَمَلِهِمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ لَيْسُوا بِشُرَكَاءَ تَقَبَّلُوا عَمَلًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ وَعَمِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَلَهُ ثُلُثُ الْأُجْرَةِ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرَيْنِ.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ طَاحُونَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي عِمَارَتِهَا لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْفَقَ عَلَى عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ أَوْ أَدَّى خَرَاجَ كَرْمٍ مُشْتَرَكٍ حَيْثُ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا.

.كِتَاب الْوَقْفِ:

مُنَاسَبَتُهُ لِلشَّرِكَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْتِفَاعُ بِمَا يَزِيدُ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ (هُوَ) لُغَةً مَصْدَرُ وَقَفَهُ أَيْ حَبَسَهُ وَقْفًا وَوَقَفَ بِنَفْسِهِ وُقُوفًا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَوْقُوفِ مُبَالَغَةً فَيُجْمَعُ عَلَى الْأَوْقَافِ وَلَا يُقَالُ أَوْقَفَهُ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ الْوَقْفِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَصَدَّقَ بِسَبْعِ حَوَائِطَ فِي الْمَدِينَةِ» وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَقَفُوا وَالْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَفَ أَوْقَافًا هِيَ بَاقِيَةٌ جَارِيَةٌ إلَى يَوْمِنَا وَسَبَبُهُ إرَادَةُ مَحْبُوبِ النَّفْسِ فِي الدُّنْيَا بَيْنَ الْإِحْيَاءِ وَفِي الْآخِرَةِ التَّقَرُّبُ إلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَحَلُّهُ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ الْقَابِلُ لِلْوَقْفِ وَرُكْنُهُ الْأَلْفَاظُ الْخَاصَّةُ كَصَدَقَةٍ مَوْقُوفَةٍ مُؤَبَّدَةٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَنَحْوِهِ وَشَرْطُهُ شَرْطُ سَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ مِنْ كَوْنِهِ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا وَأَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ فَلَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ وَلَدِي فَدَارِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَجَاءَ وَلَدُهُ لَا تَصِيرُ وَقْفًا وَمِنْ شَرَائِطِهِ الْمِلْكُ وَقْتَ الْوَقْفِ حَتَّى لَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَوَقَفَهَا ثُمَّ مَلَكَهَا لَا يَكُونُ وَقْفًا وَمِنْهَا عَدَمُ الْجَهَالَةِ وَمِنْهَا عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَى الْوَاقِفِ لِسَفَهٍ أَوْ دَيْنٍ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَلْحَقَ بِهِ خِيَارُ شَرْطٍ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مُطْلَقًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ الْوَقْفُ مَعْلُومًا جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَاقِفِ مِلَّةٌ أُخْرَى فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الْمُرْتَدِّ إنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّ، وَيَبْطُلُ وَقْفُ الْمُسْلِمِ إنْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَصِيرُ مِيرَاثًا سَوَاءٌ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّهُ عَادَ الْوَقْفُ بَعْدَ عَوْدٍ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ فَلَوْ وَقَفَ الذِّمِّيُّ عَلَى وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْمَسَاكِينِ جَازَ وَيَجُوزُ الْإِعْطَاءُ لِمَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِنْ خَصَّصَ فُقَرَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ اُعْتُبِرَ شَرْطُهُ كَالْمُعْتَزِلِيِّ إذَا خَصَّصَ أَهْلَ الِاعْتِزَالِ فَيُفَرَّقُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس مِنْهُمْ إلَّا إنْ خَصَّصَ صِنْفًا مِنْهُمْ فَلَوْ دَفَعَ الْقَيِّمُ إلَى غَيْرِهِمْ كَانَ ضَامِنًا وَشَرْطُ صِحَّةِ وَقْفِهِ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فَلَوْ وَقْفٌ عَلَى بِيعَةٍ فَإِذَا خَرِبَتْ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يَصِحَّ وَكَانَ مِيرَاثًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا كَالْوَقْفِ عَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ عَلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فَلَوْ أَنْكَرَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ ذِمِّيَّانِ عَدْلَانِ فِي مِلَّتِهِمْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْوَقْفِ.
وَفِي الْحَاوِي وَقْفُ الْمَجُوسِيِّ عَلَى بَيْتِ النَّارِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ بَاطِلٌ إذَا كَانَ فِي عَهْدِ الْإِسْلَامِ وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ عَهْدُ عَقْدِ الذِّمَّةِ لَا يَتَعَرَّضُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَشَرِيعَةً عِنْدَ الْإِمَامِ (حَبْسُ الْعَيْنَ) وَمَنْعُ الرَّقَبَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْقَوْلِ عَنْ تَصَرُّفِ الْغَيْرِ حَالَ كَوْنِهَا مُقْتَصِرَةً (عَلَى) حُكْمِ (مِلْكِ الْوَاقِفِ) فَالرَّقَبَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فِي حَيَاتِهِ وَمِلْكِ وَرَثَتِهِ فِي وَفَاتِهِ بِحَيْثُ يُبَاعُ وَيُوهَبُ إلَّا أَنَّ مَا يَأْتِي مِنْ النَّذْرِ بِالْمَنْفَعَةِ يَأْبَى عَنْهُ وَيُشْكِلُ بِالْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ حَبْسٌ عَلَى مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِجْمَاعِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلْوَقْفِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِيهِ مَا فِيهِ تَدَبَّرْ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْقَوْلِ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَبَ صُورَةَ الْوَقْفِيَّةِ مَعَ الشَّرَائِطِ بِلَا تَلَفُّظٍ لَا يَصِيرُ وَقْفًا بِالِاتِّفَاقِ.
(وَ) حَبْسُهَا عَلَى (التَّصَدُّقِ بِالْمَنْفَعَةِ) عَلَى الْفُقَرَاءِ وَعَلَى وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْخَيْرِ، وَلَوْ قَالَ وَصَرْفِ مَنْفَعَتِهِ إلَى وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْخَيْرِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ لَهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا وَالتَّصَدُّقُ لَا يَكُونُ إلَّا لَهُ تَدَبَّرْ ثُمَّ قِيلَ الْمَنْفَعَةُ مَعْدُومَةٌ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ فَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ أَصْلًا عِنْدَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ جَائِزٌ إجْمَاعًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَهُ (كَالْعَارِيَّةِ) حَتَّى يَرْجِعَ فِيهِ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ وَيُورَثُ عَنْهُ إذَا مَاتَ وَهُوَ الْأَصَحُّ (فَلَا يَلْزَمُ وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ) أَيْ مِلْكُ الْمَالِكِ الْمَجَازِيِّ عَنْ الْعَيْنِ (إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ) وَلَّاهُ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ حِينَئِذٍ وَيَصِيرُ لَازِمًا فَلَمْ يَصِرْ بَعْدَهُ مِلْكًا لِأَحَدٍ، وَهَذَا إذَا ذَكَرَ الْوَاقِفُ شَرَائِطَ اللُّزُومِ وَإِلَّا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ إلَّا إذَا حَكَمَ بِلُزُومِهِ وَطَرِيقُ الْمُرَافَعَةِ أَنْ يُرِيدَ الْوَاقِفُ الرُّجُوعَ بَعْدَمَا سَلَّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي مُحْتَجًّا بِعَدَمِ اللُّزُومِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَيَخْتَصِمَانِ إلَى الْقَاضِي فَيَقْضِي بِاللُّزُومِ عَلَى قَوْلِهِمَا فَيَلْزَمُ لِأَنَّهُ قَضَى فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى عِنْدَ الْبَعْضِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْوَقْفِ بِدُونِ الدَّعْوَى مَقْبُولَةٌ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ هَذَا الْجَوَابِ عَلَى الْإِطْلَاقِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ وَقْفٍ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ صَحِيحَةٌ بِدُونِ الدَّعْوَى وَكُلُّ وَقْفٍ هُوَ حَقُّ الْعِبَادِ فَالشَّهَادَةُ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الدَّعْوَى وَلَا تُشْتَرَطُ الْمُرَافَعَةُ فَإِنَّهُ لَوْ كَتَبَ كَاتِبٌ مِنْ إقْرَارِ الْوَاقِفِ أَنَّ قَاضِيًا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ قَضَى بِلُزُومِهِ صَارَ لَازِمًا كَمَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِوَلَّاهُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ لَوْ حَكَّمَا رَجُلًا فَحَكَمَ بِلُزُومِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَلْزَمُ بِهِ وَهَلْ الْقَضَاءُ بِهِ قَضَاءٌ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً كَالْحُرِّيَّةِ أَوْ لَا، وَكَانَ يُفْتِي بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْوَقْفِ قَضَاءٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ وَيُعَوَّلَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ صَوْنِ الْوَقْفِ عَنْ التَّعَرُّضِ إلَيْهِ بِالْحِيَلِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ لِلْوَقْفِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ إنَّ الْقَضَاءَ بِالْوَقْفِيَّةِ لَيْسَ قَضَاءً عَلَى الْكَافَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ الْمُقْتَضَى عَلَيْهِ وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالْحُرِّيَّةِ فَقَضَاءٌ عَلَى الْكَافَّةِ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَهُ بِالْمِلْكِ لِأَحَدٍ وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ لِأَحَدٍ فَلَيْسَ عَلَى الْكَافَّةِ بِلَا شُبْهَةٍ تَتَبَّعْ حَتَّى يَظْهَرَ لَك الْحَقُّ (قِيلَ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ وَغَيْرُهُ (أَوْ يُعَلِّقُهُ) أَيْ الْوَقْفَ (بِمَوْتِهِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ أَوْ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ (بِأَنْ يَقُولَ إذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْت) دَارِي عَلَى كَذَا ثُمَّ مَاتَ صَحَّ وَلَزِمَ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْدُومِ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ جَازَ بِقَدْرِ الثُّلُثِ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ أَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى ابْنِي فُلَانٍ فَإِنْ مَاتَ فَعَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَنَسْلِي وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَهِيَ إرْثٌ بَيْنَ كُلِّ الْوَرَثَةِ مَا دَامَ الِابْنُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ صَارَتْ كُلُّهَا لِلنَّسْلِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الثُّلُثَيْنِ مِلْكٌ وَالثُّلُثَ وَقْفٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوَقْفِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ تَتَبَّعْ.
وَفِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَوْتِهِ، وَهَذَا فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَأَمَّا فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّهُ تَصَدُّقٌ بِمَنَافِعِهِ مُؤَبَّدًا فَصُيِّرَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ مُؤَبَّدًا فَيَلْزَمُهُ.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ قَالَ إذَا مِتُّ فَاجْعَلُوهَا وَقْفًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّوْكِيلِ لَا تَعْلِيقُ الْوَقْفِ نَفْسِهِ، وَنَصُّ مُحَمَّدٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْوَقْفَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِهِ وَصِيَّةً.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَقَفْتُ أَرْضِي هَذِهِ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ بَرِئَ أَوْ مَاتَ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ أَرْضِي بَعْدَ مَوْتِي مَوْقُوفَةٌ سَنَةً جَازَ وَتَصِيرُ الْأَرْضُ مَوْقُوفَةً أَبَدًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُضِفْ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِأَنْ قَالَ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ سَنَةً لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ بَلْ هُوَ مَحْضُ تَعْلِيقٍ أَوْ إضَافَةٍ، وَلَوْ قَالَ وَقَفْتهَا فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ وَفَاتِي مُؤَبَّدًا فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ لَكِنْ عِنْدَ الْإِمَامِ مَا دَامَ حَيًّا كَانَ هَذَا نَذْرًا بِالتَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى مَاتَ جَازَ مِنْ الثُّلُثِ (وَعِنْدَهُمَا هُوَ) أَيْ الْوَقْفُ (حَبْسُ الْعَيْنِ) وَإِزَالَةُ مِلْكِ الْمَالِكِ الْمَجَازِيِّ مُقْتَصِرَةً (عَلَى) حُكْمِ (مِلْكِ اللَّهِ) الْمَالِكِ الْحَقِيقِيِّ (تَعَالَى) وَتَقَدَّسَ (عَلَى وَجْهٍ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْعِبَادِ فَيَلْزَمُ وَيَزُولُ مِلْكُهُ) بِحَيْثُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ سَوَاءٌ وُجِدَ أَحَدُ الْقَيْدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ قَصَدَ بِالْوَقْفِ اسْتِدَامَةَ الْخَيْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مِلْكِهِ وَيَخْلُصَ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا لَوْ جَعَلَ دَارِهِ مَسْجِدًا، وَلَهُ أَنَّ غَرَضَهُ التَّصَدُّقُ بِمَنْفَعَةِ مَالِهِ وَذَا يَقْتَضِي بَقَاءَهُ عَلَى مِلْكِهِ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ شَرْطُ الْوَاقِفِ فِيهِ وَبَقِيَ تَدْبِيرُهُ بَعْدَهُ فِي نَصْبِ الْقَيِّمِ وَتَوْزِيعِ الْغَلَّةِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ خَالِصٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَنَافِعِ الْمِلْكِ قِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ فَيُجْعَلُ الْوَقْفُ كَذَلِكَ (بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ) أَيْ يَلْزَمُ وَيَزُولُ مِلْكُهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَقَفْتُ دَارِي هَذِهِ مَثَلًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ وَلَا إلَى التَّسْلِيمِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَبِهِ يُفْتِي مَشَايِخُ الْعِرَاقِ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْمِلْكِ كَالْإِعْتَاقِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا) يَلْزَمُ وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ (مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ) أَيْ الْمَوْقُوفَ (إلَى وَلِيٍّ) لِأَنَّ تَمْلِيكَهُ إلَى اللَّهِ قَصْدًا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ إلَى الْعَبْدِ كَالصَّدَقَاتِ وَبِهِ يُفْتِي مَشَايِخُ بُخَارَى وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي زَمَانِنَا وَلَمَّا بَيَّنَ مَسَالِكَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ فَرَّعَ عَلَيْهَا.
بِقَوْلِهِ (فَلَوْ وَقَفَ) وَقْفًا (عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ بَنَى سِقَايَةً أَوْ خَانًا أَوْ رِبَاطًا لِبَنِي السَّبِيلِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلْجَمِيعِ لَكِنْ فِي إصْلَاحِ الرِّبَاطِ مَا بُنِيَ فِي الثُّغُورِ لِتَنْزِلَ فِيهِ الْغُزَاةُ، انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ لِبَنِي السَّبِيلِ قَيْدٌ لِلْأَوَّلَيْنِ لَا لِقَوْلِهِ رِبَاطًا فَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ قَوْلَهُ رِبَاطًا تَدَبَّرْ (أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ) أَيْ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ (إلَّا بِالْحُكْمِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْهُ حَقُّ الْعَبْدِ بِالْحُكْمِ أَوْ تَعْلِيقِهِ بِمَوْتِهِ لَكِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَوْتِ كَالْعَدَمِ عِنْدَهُ لِضَعْفِهِ فَلِهَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ قِيلَ تَأَمَّلْ، قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ عَدَمَ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِلْوَاقِفِ وَعَدَمَ جَوَازِ السُّكُونِ فِي الْخَانِ وَعَدَمَ جَوَازِ النُّزُولِ فِي الرِّبَاطِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى، هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ بِالْحُكْمِ يَخْرُجُ مِنْ الْمِلْكِ وَيَكُونُ مُبَاحًا لِلْعَامَّةِ وَالْوَاقِفُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ فَلَا إبْهَامَ تَأَمَّلْ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ) كَمَا هُوَ أَصْلُهُ إذْ التَّسْلِيمُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) يَزُولُ (إذَا سَلَّمَهُ إلَى مُتَوَلٍّ) كَمَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ.
وَفِي الْغَايَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ وَلَكِنْ فِي كُلِّ بَابٍ يُعْتَبَرُ مَا يَلِيقُ بِهِ فَفِي الْخَانِ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِالسُّكْنَى وَفِي الرِّبَاطِ بِالنُّزُولِ وَفِي السِّقَايَةِ بِشُرْبِ النَّاسِ وَفِي الْمَقْبَرَةِ بِدَفْنِهِمْ وَيُكْتَفَى إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ وَاحِدٍ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ انْتَهَى.
وَعَنْهُ قَالَ (وَاسْتَقَى النَّاسُ مِنْ السِّقَايَةِ وَسَكَنُوا الْخَانَ وَالرِّبَاطَ وَدَفَنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ) وَلَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ طَرِيقًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الِانْتِفَاعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ إلَّا فِي الْغَلَّةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الصَّرْفُ إلَّا لِلْفُقَرَاءِ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ أَرْضًا لِتُصْرَفَ غَلَّتُهَا إلَى الْحُجَّاجِ أَوْ الْغُزَاةِ أَوْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ لَا تُصْرَفُ إلَى الْغَنِيِّ مِنْهُمْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ.

.شروط تَمَامِ الوقف:

(وَشَرَطَ لِتَمَامِهِ) أَيْ لِتَمَامِ الْوَقْفِ بَعْدَ مَا لَزِمَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَهُ (ذِكْرُ مَصْرِفٍ مُؤَبَّدٍ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ عَلَى كَذَا وَكَذَا ثُمَّ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ) بِدُونِهِ أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ مَصْرِفٍ مُؤَبَّدٍ لِأَنَّ الْوَقْفَ إزَالَةُ الْمِلْكِ لِلَّهِ تَعَالَى وَذَا يَقْضِي التَّأْبِيدَ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَقْفَ تَصَدُّقٌ بِالْمَنْفَعَةِ وَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَقَّتًا وَمُؤَبَّدًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ (وَإِذَا انْقَطَعَ) الْمَصْرِفُ (صُرِفَ إلَى الْفُقَرَاءِ) وَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ إنْ كَانَ حَيًّا وَإِلَى وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ أَلْبَتَّةَ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ لَكِنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ نَقَلَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَقَالَ قِيلَ التَّأْبِيدُ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّأْبِيدِ رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ لَا بُدَّ مِنْهُ وَذِكْرُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيُفَرَّعُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ عَلَى قَرَابَتِهِ وَهُمْ يُحْصَوْنَ أَوْ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فَمَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى الثَّانِي يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ وَهَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ مَا لَا يُحْصَى رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَشَرَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِائَةٌ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ وَقِيلَ ثَمَانُونَ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ.
(وَصَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقْفُ الْمُشَاعِ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ وَالْقَبْضُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكَذَا تَتِمَّتُهُ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ شَرْطٌ عِنْدَهُ فَكَذَا مَا يَتِمُّ بِهِ، وَهَذَا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةُ وَأَمَّا مَا لَا تَحْتَمِلُهَا كَالْحَمَّامِ فَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَعَ الشُّيُوعِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ مَعَ الشُّيُوعِ مُطْلَقًا بِالِاتِّفَاقِ.
وَفِي الدُّرَرِ وَبَعْضُ مَشَايِخِ زَمَانِنَا أَفْتَوْا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتَى.
(وَ) صَحَّ (جَعْلُ غَلَّةِ الْوَقْفِ) أَوْ بَعْضِهَا (أَوْ الْوِلَايَةِ لِنَفْسِهِ) أَيْ صَحَّ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَشْتَرِطَ انْتِفَاعَهُ مِنْ وَقْفِهِ وَتَوْلِيَتَهُ لِنَفْسِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ مُعْتَبَرٌ فَيُرَاعَى كَالنَّصِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْوَاقِفِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَلَوْ شَرَطَ الْوِلَايَةَ لِلْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَإِنْ كَانَ كُلُّهُمْ فِي الْفَضْلِ سَوَاءً تَكُونُ الْوِلَايَةُ لِأَكْبَرِهِمْ سِنًّا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ كَانَ الْأَفْضَلُ غَائِبًا فِي مَوْضِعٍ أَقَامَ الْقَاضِي رَجُلًا يَقُومُ بِأَمْرِ الْوَقْفِ مَا دَامَ الْأَفْضَلُ حَيًّا.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا شَرَطَهَا لِأَفْضَلِهِمْ وَاسْتَوَى اثْنَانِ فِي الدِّيَانَةِ وَالسَّدَادِ وَالْفَضْلِ وَالرَّشَادِ فَالْأَعْلَمُ بِأَمْرِ الْوَقْفِ أَوْلَى، وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ صِفَةُ التَّرْجِيحِ فِي إحْدَاهُمَا لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ يَنْتَظِمُ بِالْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدُ أَفْضَلُ، وَلَوْ وَلَّى الْقَاضِي أَفْضَلَ ثُمَّ حَدَثَ فِي وَلَدِهِ أَفْضَلُ مِنْهُ فَالْوِلَايَةُ إلَيْهِ.
(وَ) صَحَّ (جَعْلُ الْبَعْضِ) أَيْ بَعْضِ الْغَلَّةِ (أَوْ الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْغَلَّةِ (لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ أَوْ مُدَبَّرِيهِ مَا دَامُوا أَحْيَاءً وَبَعْدَهُمْ لِلْفُقَرَاءِ) وَفِي الْهِدَايَةِ قِيلَ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَفَرَّعَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَيْضًا اشْتِرَاطَ الْغَلَّةِ لِمُدَبَّرِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا تَدَبَّرْ.
(وَ) صَحَّ (شَرْطُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ) أَيْ بِالْوَقْفِ (غَيْرَهُ) أَيْ يَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ أَرْضًا أُخْرَى (إذَا شَاءَ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ فِيهِ تَحْوِيلَهُ إلَى مَا يَكُونُ خَيْرًا مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مِثْلِهِ فَكَانَ تَقْرِيرًا لَا إبْطَالًا فَإِذَا فَعَلَ صَارَتْ الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى فِي شَرَائِطِهَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا، ثُمَّ لَا يَسْتَبْدِلُهَا بِثَالِثَةٍ لِأَنَّهُ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالشَّرْطِ وَالشَّرْطُ وُجِدَ فِي الْأَوَّلِ لَا فِي الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا الِاسْتِبْدَالُ بِدُونِ الشَّرْطِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا الْقَاضِي بِإِذْنِ السُّلْطَانِ حَيْثُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ مُبَادَلَةُ دَارِ الْوَقْفِ بِدَارٍ أُخْرَى أَنَمَّا تَجُوزُ إذَا كَانَتَا فِي مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ تَكُونَ الْمَحَلَّةُ الْمَمْلُوكَةُ خَيْرًا مِنْ الْمَحَلَّةِ الْمَوْقُوفَةِ وَعَلَى عَكْسِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَمْلُوكَةُ أَكْثَرَ مِسَاحَةً وَقِيمَةً وَأُجْرَةً لِاحْتِمَالِ قِلَّةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ فِيهَا لِدَنَاءَتِهَا، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا وَيَصْرِفَ ثَمَنَهَا إلَى حَاجَةٍ أَوْ يَكُونَ ثَمَنُهَا وَقْفًا لِمَكَانِهَا فَإِنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَصْرِفَ إلَى أَنْ يَمُوتَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ وَصِيَّةً فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْمَذْكُورِ فِي وَقْفِ الْمُشَاعِ إلَى هُنَا وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الْغَلَّةِ لِوَلَدِهِ فَإِذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ شَمِلَ الْمُذَكَّرَ وَالْأُنْثَى إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ بِالذُّكُورِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ فَمَا يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْ الصُّلْبِيِّ كَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُ وَإِذَا انْتَفَى صُرِفَتْ إلَى الْفُقَرَاءِ لَا وَلَدِ الْوَلَدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِينَ الْوَقْفِ وَلَدٌ صُلْبِيٌّ بَلْ وَلَدُ ابْنٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى كَانَتْ الْغَلَّةُ خَاصَّةً لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا مَنْ دُونَهُ مِنْ الْبُطُونِ فَإِنْ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ كَانَتْ لَهُ، وَلَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبِنْتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْوَلَدِ مُفْرَدًا أَوْ جَمْعًا فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ اشْتَرَكَ وَلَدُهُ وَوَلَدُ ابْنِهِ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ دُخُولَ الْبَنَاتِ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ الْآنَ وَلَا يُفَضِّلُ الذَّكَرَ عَلَى الْأُنْثَى فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ وَصَحَّحَ عَدَمَهُ فِي وَلَدِي لَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي فَمَاتَ كَانَتْ لِلْفُقَرَاءِ وَلَا تُصْرَفُ إلَى وَلَدِ وَلَدِهِ إلَّا بِالشَّرْطِ إلَّا إذَا ذَكَرَ الْبُطُونَ الثَّلَاثَةَ فَإِنَّهُ لَا تُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلَ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ بِأَنْ يَقُولَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ أَوْ يَقُولَ عَلَى وَلَدَى ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي أَوْ يَقُولَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَحِينَئِذٍ يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْوَاقِفُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ لِأَنَّ النَّسْلَ يَتَضَمَّنُ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ الْقَرِيبَ بِحَقِيقَتِهِ وَالْبَعِيدَ بِحُكْمِ الْعُرْفِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ وَبِهِ يُفْتَى الْيَوْمَ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ لَفْظَ النَّسْلِ فَقَطْ يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا فَيَبْقَى قَوْلُهُ بَعْدَ نَسْلٍ بِلَا فَائِدَةٍ، فَإِنْ قِيلَ إنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ نَسْلٍ لِلتَّأْكِيدِ قُلْنَا التَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنْ التَّأْكِيدِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ لَا يُحْمَلُ عَلَى التَّأْكِيدِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ تَأَمَّلْ فَإِنَّهُ مِنْ الْغَوَامِضِ وَمَا فِي الدُّرَرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً عَلَى أَوْلَادِي يَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ لَفْظَ الْأَوْلَادِ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى تَدَبَّرْ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ النِّصْفُ وَاَلَّذِي لِلْمَيِّتِ لِلْفُقَرَاءِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُوَجِّهَ الْقَاضِي إلَى الْآخَرِ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا كَمَا أَفْتَى الْبَعْضُ فِي دِيَارِنَا فَإِنْ مَاتَ الْآخَرُ صَرَفَ الْكُلَّ إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ لَا تُصْرَفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَأَوْلَادِهِ ثُمَّ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ لَا يَكُونُ نَصِيبُهَا لِابْنِهَا الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْوَاقِفِ خَاصَّةً إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ رَدُّ نَصِيبِ الْمَيِّتِ إلَى وَلَدِهِ وَلَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا وَلَمْ يَقُلْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ لَكِنْ شَرَطَ رَدَّ نَصِيبِ الْمَيِّتِ إلَى وَلَدِهِ فَالْغَلَّةُ لِجَمِيعِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوِيَّةِ وَلَوْ مَاتَ بَعْضُ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ وَتَرَك وَلَدًا ثُمَّ جَاءَتْ الْغَلَّةُ تُقْسَمُ عَلَى الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلُوا وَعَلَى الْمَيِّتِ فَمَا أَصَابَ الْمَيِّتَ مِنْ الْغَلَّةِ كَانَ لِوَلَدِهِ بِالْإِرْثِ فَيَصِيرُ لِوَلَدِ الْمَيِّتِ سَهْمُهُ الَّذِي عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ بِحُكْمِ تَعْيِينِهِ وَسَهْمُ وَلَدِهِ بِالْإِرْثِ كَمَا فِي الْغَرَرِ وَلَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي الْمَخْلُوقِينَ وَنَسْلِي يَدْخُلُ الْوَلَدُ الْحَادِثُ بِالنَّسْلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي الْمَخْلُوقِينَ وَنَسْلِهِمْ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ مِنْ وَلَدِي وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ مُحْتَاجٌ كَانَ النِّصْفُ لَهُ وَالْآخَرُ لِلْفُقَرَاءِ وَلَوْ قَالَ أَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَقَارِبِي أَوْ عَلَى قَرَابَتِي أَوْ عَلَى ذَوِي قَرَابَتِي قَالَ هِلَالٌ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَلَا يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَالِدُ الْوَاقِفِ وَلَا جَدُّهُ وَلَا وَلَدُهُ.
وَفِي الزِّيَادَاتِ يَدْخُلُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
وَفِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ قَالَ عَلَى الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِي وَعَلَى وَلَدِي الذُّكُورِ مِنْ نَسْلِي يَكُونُ عَلَى الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِمْ مِنْ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَعَلَى وَلَدِ كُلِّ ذَكَرٍ مِنْ نَسْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ وَلَدِ الذُّكُورِ أَوْ وَلَدِ الْإِنَاثِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْأُنْثَى الصُّلْبِيَّةِ.
(وَصَحَّ وَقْفُ الْعَقَارِ) لِلنُّصُوصِ وَالْآثَارِ (وَكَذَا) صَحَّ وَقْفُ (الْمَنْقُولِ الْمُتَعَارَفِ وَقْفُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) كَمَا صَحَّ وَقْفُ الْمَنْقُولِ مَقْصُودًا إذَا تَعَامَلَ النَّاسُ وَقْفَهُ (كَالْفَأْسِ وَالْمُرُو وَالْقَدُّومِ وَالْمِنْشَارِ وَالْجِنَازَةِ) بِالْكَسْرِ السَّرِيرِ (وَثِيَابِهَا) الَّتِي تُصْنَعُ مِنْ قِطْعَةِ سِتْرِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا يُسْتَرُ بِهَا الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ (وَالْقُدُورِ وَالْمَرَاجِلِ وَالْمَصَاحِفِ) جَمْعُ الْمُصْحَفِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا وَقَفَ مُصْحَفًا عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ لِلْقِرَاءَةِ إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ جَازَ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ وَيُقْرَأُ فِيهِ.
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ (وَالْكُتُبِ) جَمْعُ الْكِتَابِ (وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ مُحَمَّدٍ (فِي وَقْفِ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ) وَالْخَيْلِ (وَالْإِبِلِ فِي سَبِيلِ اللَّه) وَمَا سِوَى الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يُتْرَكُ بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِيهِمَا فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ (وَبِهِ) أَيْ يَقُولُ مُحَمَّدٌ (يُفْتِي) لِوُجُودِ التَّعَامُلِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ كَالثِّيَابِ وَالْأَمْتِعَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَدْ حَكَى فِي الْمُجْتَبَى الْخِلَافَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْمَنْقُولِ فَقِيلَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا جَرَى التَّعَارُفُ بِهِ أَوَّلًا وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنْ جَرَى فِيهِ تَعَامُلٌ وَلَمَّا جَرَى التَّعَامُلُ فِي وَقْفِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي زَمَان زُفَرَ بَعْدَ تَجْوِيزِ صِحَّةِ وَقْفِهِمَا فِي رِوَايَةٍ دَخَلَتْ تَحْتَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ فِي وَقْفِ كُلِّ مَنْقُولٍ فِيهِ تَعَامُلٌ كَمَا لَا يَخْفَى فَلَا يَحْتَاجُ عَلَى هَذَا إلَى تَخْصِيصِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ وَقْفِهِمَا لِمَذْهَبِ زُفَرَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَنْصَارِيِّ، وَقَدْ أَفْتَى صَاحِبُ الْبَحْرِ بِجَوَازِ وَقْفِهِمَا وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا كَمَا فِي الْمِنَحِ وَعَنْ زُفَرَ رَجُلٌ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الطَّعَامَ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ قَالَ يَجُوزُ قِيلَ لَهُ وَكَيْفَ يَكُونُ، قَالَ يَدْفَعُ الدَّرَاهِمَ مُضَارَبَةً ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِفَضْلِهَا فِي الْوَجْهِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ وَمَا يُوزَنُ وَيُكَالُ يُبَاعُ فَيُدْفَعُ ثَمَنُهُ بِضَاعَةً أَوْ مُضَارَبَةً كَالدَّرَاهِمِ قَالُوا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، لَوْ قَالَ الْكُرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَقْفٌ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُفَرِّقَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا بُدَّ لَهُمْ فَيَزْرَعُونَهَا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَدْرُ الْفَرْضِ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَبَدًا جَازَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَمِثْلُ هَذَا أَكْثَرُهُمْ فِي الرَّيِّ وَنَاحِيَةِ نَهَاوَنْدَ.
(وَكَذَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقْفُهُ) أَيْ وَقْفُ الْمَنْقُولِ (تَبَعًا كَمَنْ وَقَفَ ضَيْعَةً بِبَقَرِهَا وَأَكَرَتِهَا وَهُمْ) أَيْ الْأَكَرَةُ (عَبِيدُهُ) أَيْ عَبِيدُ الْوَاقِفِ (وَسَائِرِ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ مِنْ شَرْطِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فِي تَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ تَبَعًا وَلِهَذَا دَخَلَ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ مَا كَانَ دَاخِلًا فِي الْبَيْعِ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْأَشْجَارِ دُونَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ وَمُحَمَّدٍ مَعَهُ فِيهِ وَأَمَّا لَوْ بَنَى عَلَى أَرْضٍ ثُمَّ وَقَفَ الْبِنَاءَ بِدُونِ الْأَرْضِ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ مَوْقُوفَةً عَلَى مَا عَيَّنَ الْبِنَاءَ لَهُ جَازَ إجْمَاعًا وَإِنْ لِجِهَةٍ أُخْرَى فَمُخْتَلِفٌ وَالْمَعْمُولُ بِهِ الْآنَ الْجَوَازُ، وَكَذَا حُكْمُ وَقْفِ الْأَشْجَارِ.
وَفِي الْمِنَحِ الْمُتَعَارَفُ فِي دِيَارِنَا وَقْفُ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَرْضِ وَكَذَا وَقْفُ الْأَشْجَارِ بِدُونِهَا فَيَتَعَيَّنُ الْإِفْتَاءُ بِصِحَّتِهِ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ فِيهِ التَّعَامُلُ انْتَهَى وَالْمُرَادُ بِالتَّعَامُلِ تَعَامُلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَعَلَيْنَا أَجْمَعِينَ لَا تَعَارُفِ الْعَوَامّ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَعَلَى هَذَا مَا قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ مِنْ أَنَّ الْمُتَعَارَفَ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ رَجُلٌ وَقَفَ بَقَرَةً عَلَى رِبَاطٍ عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ لَبَنِهَا وَسَمْنِهَا يُعْطَى لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَغْلِبُ ذَلِكَ فِي أَوْقَافِهِ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ جَائِزًا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَهُ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا قَالُوا لِأَنَّهُ جَرَى بِذَلِكَ التَّعَارُفُ فِي دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ التَّعَارُفِ لَا مَا قَالَهُ الْبَعْضُ تَدَبَّرْ.
(وَإِذَا صَحَّ الْوَقْفُ) أَيْ إذَا لَزِمَ الْوَقْفُ عَلَى حَسَبِ الِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِ اللُّزُومِ (فَلَا يُمْلَكُ) مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ لَا يَكُونُ الْوَقْفُ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ أَصْلًا (وَلَا يُمَلَّكُ) مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ مِنْ التَّفْعِيلِ أَيْ لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ لِغَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ (إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ قِسْمَةُ الْمُشَاعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْوَقْفُ مُشَاعًا وَطَلَبَ الشَّرِيكُ الْقِسْمَةَ يَصِحُّ مُقَاسَمَتُهُ عِنْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزٌ وَإِفْرَازٌ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْغَالِبَ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ فِي قِسْمَةِ الْوَقْفِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ غَالِبًا نَظَرًا لِلْوَقْفِ فَلَمْ يَجْعَلْهَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ وَهُوَ فِي الْوَقْفِ مُمْتَنِعٌ.
وَفِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ مَا وَقَفَهُ وَقُضِيَ بِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ يَسْتَمِرُّ الْبَاقِي وَقْفًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.
وَفِي التَّنْوِيرِ أَطْلَقَ الْقَاضِي بَيْعَ الْوَقْفِ الْغَيْرِ الْمُسَجِّلِ لِوَارِثِ الْوَاقِفِ فَبَاعَ صَحَّ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ يَكُونُ حُكْمًا بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَوْ أَطْلَقَ لِغَيْرِ الْوَارِثِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِأَنَّ الْوَقْفَ إذَا بَطَل عَادَ إلَى مِلْكِ وَارِثِ الْوَاقِفِ وَبَيْعُ مَالِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ (وَيَبْدَأُ مِنْ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ) أَيْ مِنْ غَلَّتِهِ (بِعِمَارَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا الْوَاقِفُ) لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ صَرْفُ الْغَلَّةِ مُؤَبَّدًا وَهَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْإِصْلَاحِ وَالْعِمَارَةِ فَيَثْبُتُ شَرْطُ الْعِمَارَةِ اقْتِضَاءً وَالثَّابِتُ بِهِ كَالثَّابِتِ نَصًّا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَدِينُ الْمُتَوَلِّي إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَا يُعَمِّرُهُ إلَّا بِأَمْرِ الْقَاضِي.
وَفِي الْبَحْرِ وَيَسْتَدِينُ لِلْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ وَالْمُؤَذِّنِ بِإِذْنِ الْقَاضِي لِضَرُورَةِ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ، وَكَذَا لِلْحَصِيرِ وَالزَّيْتِ وَلَوْ ادَّعَى الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ اسْتَدَانَ بِإِذْنِ الْقَاضِي هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ مَقْبُولَ الْقَوْلِ لِمَا أَنَّهُ يُرِيدُ الرُّجُوعَ فِي الْغَلَّةِ.
(إنْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ) فَلَوْ فَضَلَ عَنْ الْعِمَارَةِ صُرِفَ أَوَّلًا إلَى وَلَدِهِ الْفَقِيرِ ثُمَّ إلَى قَرَابَتِهِ ثُمَّ إلَى مَوَالِيهِ ثُمَّ إلَى جِيرَانِهِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ مِصْرِهِ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْوَاقِفِ مَنْزِلًا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ لَا يُعْطِي لِأَحَدٍ مِنْ أَقْرِبَائِهِ شَيْئًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَإِنْ عَلَى) جَمْعٍ أَوْ وَاحِدٍ (مُعَيَّنٍ) وَآخِرُهُ لِلْفُقَرَاءِ (فَعَلَيْهِ) أَيْ فَالْعِمَارَةُ عَلَى الْمُعَيَّنِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) الْمُعَيَّنُ عَنْ الْعِمَارَةِ (أَوْ كَانَ فَقِيرًا) لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعِمَارَةِ بِمَالِهِ (آجَرَهُ الْحَاكِمُ) أَيْ الْقَاضِي أَوْ الْقَيِّمُ بِإِذْنِهِ اسْتِحْسَانًا صِيَانَةً لِلْوَقْفِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْوَاقِفَ وَمَنْ لَهُ السُّكْنَى لَا يُؤَجِّرُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ نَاظِرٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَعَمَرَهُ) مِنْ الثُّلَاثِيِّ مِنْ الْعِمَارَةِ لَا مِنْ التَّعْمِيرِ (مِنْ أُجْرَتِهِ) بِقَدْرِ مَا يَبْقَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهَا الْوَاقِفُ فَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ وَكَذَا إنْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحُّ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ غَلَّةٍ مُسْتَحَقَّةٍ لَهُ إلَى جِهَةٍ غَيْرِ مُسْتَحَقَّةٍ إلَّا بِرِضَاهُ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الْعِمَارَةِ (رَدَّهُ) أَيْ الْبَاقِي (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُعَيَّنِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رِعَايَةً لِحَقِّ الْوَاقِفِ وَحَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فَأَشْبَهَ امْتِنَاعَ صَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْمَزْرَعَةِ.
(وَنَقْضُ الْوَقْفِ يُصْرَفُ) أَيْ يَصْرِفُهُ الْحَاكِمُ (إلَى عِمَارَتِهِ) أَيْ الْوَقْفِ (إنْ احْتَاجَ) إلَى الْعِمَارَةِ بِالْفِعْلِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْعِمَارَةِ بِالْفِعْلِ (حُفِظَ) النَّقْضُ (إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ) إلَى الْعِمَارَةِ فَيُصْرَفُ إلَيْهَا.
(وَإِنْ تَعَذَّرَ صَرْفُ عَيْنِهِ) أَيْ عَيْنِ النَّقْضِ إلَيْهَا بِأَنْ لَا يَصْلُحَ (يُبَاعُ) أَيْ يَبِيعُهُ نَحْوُ الْمُتَوَلِّي النَّقْضَ (وَيَصْرِفُ ثَمَنَهُ إلَيْهَا) وَقْتَ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ بَدَلُ النَّقْضِ (وَلَا يُقْسَمُ) النَّقْضُ (بَيْنَ مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ وَحَقُّهُمْ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْعَيْنُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُصْرَفُ إلَيْهِمْ.